تحقيق المخطوطات أمانة دينية وعلمية وأخلاقية
إن تحقيق المخطوطات أمانة دينية وعلمية وأخلاقية، وإن من واجب المحقق أن يعلم أن هذه النصوص أو المخطوطات إنما هي وثائق تاريخية لا يحق له أن يتلاعب بها وأن يجعل من نفسه مصححا أو مقوما لهذه الوثائق. وإن الأمانة العلمية تقتضي منه الحرص التام على نقل هذه الوثائق كما هي. لذا على المحقق أن يضع في ذهنه قبل كل شيء إثبات ما قاله المصنف خطأ كان أم صواباً، وأن لا ينصب نفسه حكما على هذه النصوص فيبيح تصحيحها أو تبديلها بنصوص أخرى. وعليه أن يكد ذهنه ليصل إلى النص السليم الذي قاله المصنف وأن يتحرى الدقة الكاملة والحذر الشديد ليفرق بين خطأ النساخ وخطأ المصنف واختلاف النسخ واختلاف الروايات[1].
المبحث الأول: تعريف التحقيق
فالتحقيق في مجمله هو العلم الذي يبحث في المخطوطات العربية ويهيئها لطبعها وجعلها في متناول القراء، إذ يقوم على نقل النصوص المدونة باليد بنسخة واحدة أو عدد قليل من النسخ إلى عدد كبير من النسخ بعد تحويلها إلى كتاب وطبعها، والتحقيق علم له أصوله وقواعده التي ينبغي الالتزام بها.
وفي عرضنا هذا سنحاول التطرق بشكل مبسط إلى هذا العلم بدءا من تعريفه وبعض صفات المحققين مع ذكر المنهجية المعتمدة للعلماء في تحقيق المخطوطات.
وأصل التحقيق كما قال أهل اللغةً: تحقق عنده الخبر أي صح، وحقق قوله وظنه تحقيقا أي صدقه، وكلام محقق أي رصين. وحققت الشيء تحقيقا إذا صدقت قائله.[2]
ومن هنا يمكن وضع مفهوم لمصطلح التحقيق من معناه اللغوي بقولنا: إثبات الشيء وإحكامه وتصحيحه، والتيقن من مصدره.
وهناك تعريف لمصطلح *تحقيق المخطوطات* قال به عبد السلام هارون رحمه الله تعالى وهو " بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، فالكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه ". [3]
المبحث الثاني: صفات المحقق
وبعد هذا فللمحقق صفات عليه الالتزام بها، فمن تحلّى بمثلها ملك أسباب التحقيق ومن فقدها ـ أو فقد بعضها ـ قصرت عنده هذه الملكة وعسرت عليه رموز المخطوطات و سُبُل نشرها وهذه الصفات هي:
أولا: الأمانة في أداء النص صحيحاً من غير زيادة أو نقصان: فالمحقق بمثابة راوية للكتاب الذي يرويه بطريقة التلقي عن المؤلف.
وعلى المحقق ألا يجيز لنفسه التصرف في المخطوطات التي بين يديه فيُعَدِّلَ في عبارتها أو أساليبها[4].
ويتعين عليه البعد كل البعد عن الأهواء الشخصية والمذهبية أو العبث بإخراجها على أي شكل أو صورة رغبة في الاستكثار وتحقيق المكاسب المادية أو بالسطو على جهود الآخرين، فعليه أن يكون أمينا في كل مراحل تحقيقه للمخطوط.
ثانيا: الصبر و الأناة: فقد يكون تحقيق كتاب في أكثر الأحيان أشق على الأنفس من تصنيف كتاب جديد فالصبر والجلد وسعة الصدر أمور أساسية يجب أن يتحلى بها الباحث المحقق.
ثالثا: المؤهلات العلمية : ذلك بالتمكن من العلم الذي يخوض غماره والخبرة بالعمل الذي يمارسه وحُسن الفهم لما يقرؤه، لذلك على صاحب كل تخصص معين أن يفتش عما يخدم تخصصه ليبدع في تحقيقه.
وذلك:
1- أن يكون ذا ثقافة واسعة بالعلم الذي يحقق فيه الكتاب ودرايةٍ بتاريخه وما أُلِّفَ فيه من كتب.
2- أن يكون ذا خبرة بلغة أهل الفن الذي يحقق فيه، ومهما يكن العلم الذي يحقق فيه فإن على المحقق إتقان اللغة العربية نحواً ولغةً.
رابعا: التواضع واستعداده للحوار والمناقشة والبعد عن التمسك بالرأي والوقوف عليه، والتزمت لرأي هو مقتنع به.
خامسا: أن يكون عارفاً بأنواع الخطوط العربية و تاريخ تطورها، أو على الأقل أن يكون عنده حسٌ مرهفٌ بهذه الخطوط عن طريق الاطلاع عليها أو على أغلبها[5].
سادسا: أن يتبع القواعد الأساسية لتحقيق المخطوطات وأصول نشر الكتب[6].
[1] - توثيق النُّصوص وضبطُها عند الْمُحَدِّثين: تأليف الدكتور موفق بن عبد اللّه بن عبد القادر، المكتبة المكيَّة، مكة المكرمة، المكتبة البغدادية، الطبعة الأولى، ص: 50
[2] المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات، د.محمد التونجي، دار الملاح للطباعة والنشر، ط1، 1406هـ-1986م.، ص: 205
[3] - تحقيق النصوص ونشرها. المؤلف, عبد السلام هارون. المحقق. بطاقة الكتاب, الناشر: مكتبة الخانجي رقم الطبعة: 7 تاريخ الطبعة: 1998، ص: 60
[4] - قواعد تحقيق المخطوطات" للدكتور صلاح الدين المنجد ، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط 7، 1987م.، 120
[5] - المرجع السابق، نفس الصفحة
[6] - ضبط النص والتعليق عليه" للدكتور بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة، 1402هـ ـ 1982م، 70
الشرفاء الأدارسة